نشر بتاريخ: 2025/12/31 ( آخر تحديث: 2025/12/31 الساعة: 13:37 )
بقلم: شريف الهركلي

الديمقراطية… هل ما زالت تدق نوافذ السلطة الوطنية؟

نشر بتاريخ: 2025/12/31 (آخر تحديث: 2025/12/31 الساعة: 13:37)

الكوفية الديمقراطية الفلسطينية، تلك التي أفرزت محمود عباس رئيسًا، وحكومة في غزة قادها تنظيم حماس، جاءت يومًا عبر صندوق الاقتراع، لكنها ما لبثت أن تحوّلت من وعدٍ بالخلاص إلى بداية كارثة وطنية ما زال شعبنا يدفع أثمانها حتى اللحظة.

كانت انتخاباتٌ وُصفت بالديمقراطية، لكن الفحص العميق لتجربتها يكشف حقيقة مُرّة: لم تكن ديمقراطية مكتملة، بل ديكتاتورية متنكرة، ترتدي ثوب الديمقراطية الأنيق، وتضع قناعًا جميلًا، وتعطّر وجهها بعطور زائفة لتخفي قبح الممارسة وبشاعة النتائج.

تغنّت الديمقراطية المزيّفة بنا، ورقصت على أجسادنا المتعبة، باسم الشعب وباسم الشرعية، فيما كان الشعب يئنّ تحت وطأة الانقسام، والسلطة تتصلّب، والكراسي تتحوّل من تكليفٍ مؤقت إلى ملكياتٍ أبدية.

من هنا، يصبح العطش إلى الديمقراطية الحقيقية واجبًا وطنيًا لا ترفًا فكريًا. ديمقراطية لا تُختصر في صندوق اقتراع يتيم، ولا تُستعمل كجواز مرور إلى حكمٍ طويل بلا مساءلة. فهل تملك السلطة الوطنية اليوم شجاعة التكفير عن ذنب إخفاقاتها الديمقراطية؟ إخفاقاتٌ أنجبت الانقسام، وعلّقت الدورة الانتخابية، وشرّخت الوطن بين شطرين، وكرّست قياداتٍ لم تعد محل رضا شعبي، لكنها ما زالت جاثمة على صدور الفلسطينيين منذ سنوات طويلة، وكأن الزمن توقّف عندها.

لقد كان محمود عباس خيارًا شعبيًا وطنيًا في دورة انتخابية واحدة، وهذا حقّه وحق الشعب. كما كان فوز مرشحي حركة حماس خيارًا ديمقراطيًا أيضًا، حتى لو أخطأ الشعب في تقديره؛ فالخطأ في الديمقراطية ليس جريمة، بل جزء من مسار التصحيح. لكن الجريمة الحقيقية هي مصادرة هذا المسار، وتحويل الفوز الانتخابي إلى حصانة مفتوحة بلا نهاية. ففي كل نظام ديمقراطي حقيقي، تسقط الحصانة الشعبية بانتهاء الدورة الانتخابية، ولا تُستعاد إلا بالعودة إلى الشعب، من البوابة ذاتها: الانتخابات.

اليوم، وبعد هدوء العاصفة، وانتهاء هذه الحرب الثقيلة، نطالب الرئيس الفلسطيني بإعلان انتخابات رئاسية وتشريعية شاملة، ديمقراطية فعلية لا شكلية، تفرز لنا — لا “صندوق العجب” — بل صندوق انتخابات نزيه، يخرج قيادات على قدر المسؤولية الأخلاقية والوطنية، قيادات تكون سندًا للشعب لا عبئًا عليه، وحارسة للقضية لا متسلّقة باسمها.

الديمقراطية ليست ذكرى جميلة نعلّقها على جدار الماضي، ولا نشيدًا نردده عند الحاجة، ثم ندهسه عند الخوف. الديمقراطية فعلٌ مستمر، وتجديد دائم، ومساءلة لا تعرف المجاملات. فهل تسمع السلطة طرقات الديمقراطية على نوافذها؟ أم ستبقى النوافذ موصدة، حتى يختنق الوطن و المواطن؟