خاص الكوفية| غزة على مشرحة الخرائط.. "رفح الجديدة" عنوان المرحلة القادمة
نشر بتاريخ: 2025/12/24 (آخر تحديث: 2025/12/25 الساعة: 01:07)

رفح ليست مدينة عابرة على الخريطة، بل عقدة التاريخ والجغرافيا والدم.

هي آخر ما تبقّى للفلسطيني حين يُدفع إلى الحافة، وآخر اختبار للعالم حين يُسأل هل ما زال القانون الدولي حيًا أم دُفن تحت الركام، في رفح تتكثّف كل الأسئلة الثقيلة التهجير أم الصمود؟ الإغاثة أم التصفية؟ الحل السياسي أم إدارة الكارثة؟

ليست رفح مجرد معبر، بل بوابة تُختبر عندها نوايا الدول، وتنكشف فيها المشاريع الخفية خلف الشعارات الإنسانية.

الموقع والجغرافيا

تقع مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة، على الحدود مع مصر، وتُعدّ بوابة غزة الجنوبية الوحيدة على العالم الخارجي عبر معبر رفح البري.

تبلغ مساحة المدينة قرابة 64 كيلومترًا مربعًا، ويقطنها قبل الحرب الأخيرة أكثر من 300 ألف نسمة، ليرتفع العدد بشكل كبير بعد موجات النزوح من شمال ووسط القطاع.

رفح ليست مجرد مدينة حدودية، بل نقطة التقاء جغرافية وسياسية وأمنية جعلتها دائمًا في قلب الصراع.

رفح في التاريخ الفلسطيني

قبل الاحتلال كانت رفح مدينة فلسطينية تاريخية مرتبطة إداريًا واقتصاديًا بجنوب فلسطين.

بعد نكبة 1948، تحولت رفح إلى مركز رئيسي لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين، وأنشئ فيها مخيم رفح أحد أكبر مخيمات اللاجئين في قطاع غزة.

أصبحت المدينة رمزًا للجوء الفلسطيني والمعاناة الإنسانية المبكرة.

احتلت إسرائيل قطاع غزة بما فيه رفح في حرب يونيو/حزيران 1967.

فرض الاحتلال سيطرة عسكرية مباشرة، وبدأ هدم المنازل ومصادرة الأراضي بحجة "الأمن".

أنشأت إسرائيل مستوطنات في محيط رفح سابقًا، قبل تفكيكها لاحقًا.

رفح ومخيمها.. ذاكرة الصراع

مخيم رفح شكّل حاضنة للاجئين من مدن وقرى فلسطينية دُمّرت عام 1948.

هدفًا دائمًا للاجتياحات الإسرائيلية

الانتفاضة الأولى

الانتفاضة الثانية

عمليات عسكرية متكررة شملت تجريف المنازل والشوارع

رفح كانت من أكثر المناطق التي شهدت هدم منازل، عقاب جماعي للسكان

واشتباكات مباشرة مع قوات الاحتلال

رفح ومعبرها.. شريان الحياة

المنفذ البري الوحيد لقطاع غزة غير الخاضع مباشرة للاحتلال الإسرائيلي.

يخضع لإغلاقات متكررة، ويُستخدم كورقة ضغط سياسية.

حيث يعتبر شريان أساسي للمرضى وللطلبة وللمساعدات الإنسانية وأيضاً لإدخال الوقود والبضائع في أوقات الطوارئ، أهمية المعبر جعلت رفح نقطة ابتزاز سياسي وأمني دائم.

رفح في الحروب الإسرائيلية على غزة

خلال الحروب المتعاقبة 2008، 2012، 2014، 2021، 2023–2024-

تعرضت رفح لقصف مكثف.

شهدت مجازر بحق المدنيين.

استُهدفت البنية التحتية، الأنفاق، والمنازل

حملة رقمية تهز العالم وتسلّط الضوء على مأساة رفح

في زمن الحرب الرقمية، انطلق وسم #AllEyesOnRafah "كل العيون على رفح" ليكون واحدًا من أقوى الترندات العالمية المرتبطة بالصراع في فلسطين.

هذا الهاشتاغ، الذي اجتاح منصات التواصل الاجتماعي واستقطب ملايين المشاركات من حول العالم، لم يكن مجرد كلمتين في الإنترنت، بل صرخة احتجاج رقميّة ضد الحرب والحصار والمعاناة الإنسانية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

ما هو ترند "كل العيون على رفح"

العبارة مستوحاة من تصريح ريتشارد بيبركون، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، حين قال «كل العيون على رفح» خلال الحديث عن تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد المدينة، والتي كانت تؤوي أعدادًا هائلة من النازحين خلال الحملة العسكرية.

هذا التعبير لم يبقَ مجرد اقتباس، بل تحوّل إلى حركة رقمية ضخمة تدعو إلى الانتباه إلى معاناة المدنيين في رفح وعدم “التغاضي” عنهم وسط الحرب.

انتشار غير مسبوق

بعد أن انتشر بعدة صيغ، أكثر من 40–47 مليون مستخدم على منصة إنستغرام شاركوا صورة ترند “All Eyes on Rafah” عبر القصص (Stories)، ما يجعها واحدة من أكثر المنشورات مشاركة في تاريخ الصراع الرقمي حتى الآن.

على منصات أخرى مثل تيك توك وX (تويتر)، سجل الوسم مليون مشاركة وأكثر، مع انتشار فيديوهات وتدوينات تحمل نفس الشعار والرسالة الإنسانية.

الصورة المرتبطة بالوسم أُنتجت عبر الذكاء الاصطناعي، وتُظهر خيامًا مُرتّبة تُكوّن عبارة "كل العيون على رفح"، في محاولة رمزية لجذب الانتباه إلى مأساة المدنيين الذين نزحوا إلى المدينة هربًا من القصف.

لماذا انتشر الترند بهذا الشكل

- حملة تضامن عالمي

الهاشتاغ جذب مشاركات من ناشطين عالميين، مؤثرين، وحتى مشاهير نشروا شعارات التضامن مع أهل غزة، مما ساهم في ارتفاع مستوى التفاعل وانتشاره بسرعة هائلة.

- سيل للاحتجاجات الرقمية

لم يعد الترند مجرد منشور عابر، بل أصبح رمز الاحتجاج ضد القصف على رفح

والمطالبة بوقف العنف، ودعوات لوقف إطلاق النار، بما فيه الضغط على المجتمع الدولي لتوجيه انتباهه إلى معاناة المدنيين.

هذه الحملة الرقمية تُظهر كيف أصبحت المنصات الرقمية ساحة للنضال الإعلامي والتأثير على الرأي العام العالمي.

ردود الفعل والمواقف والجانب الإنساني

كثير من المنظمات الحقوقية والإغاثية استخدمت الوسم في حملاتها من أجل:

رفع الوعي عن الوضع الإنساني في رفح، قُدوم المزيد من المساعدات الإنسانية

حثّ الدول على التحرك لوقف القتال

لماذا رفح تحديدًا

مدينة رفح جنوب قطاع غزة أصبحت ملاذًا لمئات آلاف النازحين الذين فرّوا من القصف في شمال ووسط القطاع، ما جعلها رمزًا لمعاناة المدنيين، وتركّز التريند حول رفح ردًا على الضربات الجوية والهجمات التي أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين

معاناة اللاجئين والمخيمات المكتظة، كل هذه الأسباب جعلت رفح محور انتباه عالمي، وهو ما تجلّى في انتشار الهاشتاغ.

تأثير التريند على الساحة العالمية

تريند AllEyesOnRafah لم يقتصر على المنتديات الرقمية، بل امتد أيضًا إلى احتجاجات حقيقية أمام الفعاليات الدولية وفي شوارع المدن الكبرى، حيث رفع المتظاهرون لافتات مطابقة لوسم الحملة في جامعات وساحات حول العالم.

ما بدا في البداية كصورة بسيطة على إنستغرام، تحول إلى صرخة رقمية عالمية، يُعيد توجيه أنظار الملايين إلى رفح، المدينة التي تحمل عبء النزوح والحرب.

تريند #AllEyesOnRafah ليس مجرد وسم تم تبادله عبر شبكات التواصل، بل رسالة احتجاج جماعي عالمي ضد تجاهل معاناة المدنيين، وهو مثال حي على كيف يمكن للرأي العام الرقمي أن يشكّل ضغطًا أخلاقيًا على القوى الدولية في أوقات النزاع، تحولت رفح إلى ملاذ أخير للنازحين من شمال ووسط القطاع، تكدس فيها أكثر من مليون نازح في مساحة محدودة، أصبحت المدينة نقطة ضغط إنساني غير مسبوقة.

أيّ مستقبل لغزة؟

المشهد الراهن لقطاع غزة يعكس امتزاجًا بين الهرولة نحو مشاريع إعادة إعمار وتغير جغرافي، ومخططات تقسيم سياسي يراه الكثيرون محاولة لإعادة صياغة القضية الفلسطينية بغطاء اقتصادي.

المشاريع التي تُطرح اليوم ليست معزولة عن التحولات السياسية الأميركية والإسرائيلية الداخلية، وقد تؤدي عمليًا إلى تحويل القطاع إلى كتل متداخلة من النفوذ المتعدد بدل كيان فلسطيني موحّد.

الأهمية الاستراتيجية لرفح

- أمنيًا

السيطرة على رفح تعني التحكم بالحدود الجنوبية لغزة، قطع أو تنظيم خطوط الإمداد

وفرض واقع أمني جديد على القطاع.

️-سياسيًا

رفح مفتاح أي تهدئة، اتفاق وقف إطلاق نار، مشروع "إعادة إعمار"

أي مخطط لغزة يبدأ أو ينتهي من رفح، استهدافها يعني كارثة إنسانية واسعة النطاق.

"رفح الجديدة"

الحديث عن رفح الجديدة لا ينفصل عن محاولات إعادة هندسة الجغرافيا السكانية وخلق مناطق جديدة خارج النسيج التاريخي للمدن، وأيضاً فرض واقع سكاني وأمني يخدم السيطرة طويلة الأمد

الكثير من الفلسطينيين يرون في هذا الطرح محاولة تفريغ المدن الأصلية وخطوة أولى نحو تقسيم غزة أو إعادة إدارتها قسرًا، واستخدام الإعمار كغطاء سياسي

رفح ليست مدينة عادية

هي بوابة غزة ذاكرة اللجوء، ساحة المواجهة، مفتاح السياسة، وخط الدفاع الأخير عن وحدة القطاع

كل ما يُطرح اليوم عن رفح، هو في جوهره حديث عن مستقبل غزة بالكامل.

رفح ليست عقبة في طريق الحل.

رفح هي اختبار النوايا

كل مشروع يُطرح دون أهلها، وكل خريطة تُرسم فوق أنقاضها، وكل حديث عن "رفح جديدة" دون عدالة حقيقية، ليس إلا محاولة لتغيير الواقع بالقوة، وتطبيع الكارثة تحت مسمى المستقبل.

رفح لم تكن يومًا مدينة عابرة، ولن تكون، وعنوان الصمود، ومن يحاول تجاوزها، إنما يحاول تجاوز غزة كلها.. وهذا وهمٌ يتكرر، ويسقط، مرة بعد مرة.