تجميد أوامر الهدم في مخيم نور شمس: اختبار لسيادة القانون أم إدارة للأزمة؟
نشر بتاريخ: 2025/12/19 (آخر تحديث: 2025/12/19 الساعة: 09:32)

في تطور قانوني لافت، أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا، اليوم الأربعاء 18 كانون الأول/ديسمبر 2025، قرارًا يقضي بتجميد أوامر الهدم الجارية في مخيم نور شمس للاجئين شمال الضفة الغربية، وإلزام النيابة العامة بتقديم ردّها المفصّل على الالتماس العاجل الذي قدّمه مركز عدالة الحقوقي حتى مساء اليوم ذاته.

هذا القرار، وإن بدا إجرائيًا في ظاهره، إلا أنه يحمل دلالات قانونية وسياسية وإنسانية عميقة، تتجاوز حدود المخيم لتلامس جوهر السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وحدود الرقابة القضائية على قرارات المؤسسة العسكرية.

أولًا: الهدم كسياسة ممنهجة لا كإجراء أمني استثنائي

تأتي أوامر الهدم في مخيم نور شمس ضمن سياق أوسع من السياسات الإسرائيلية التي تستخدم “الاعتبارات الأمنية” غطاءً لتدابير تمسّ جوهر الحقوق الأساسية للسكان الفلسطينيين، وفي مقدمتها الحق في السكن، والأمان الشخصي، والعيش الكريم.

فالهدم في المخيمات، بحكم طبيعتها السكانية والرمزية، لا يقتصر أثره على المباني المهددة، بل يمتد ليصيب النسيج الاجتماعي برمّته، ويخلق حالة من العقاب الجماعي المحظور صراحة بموجب القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة.

ثانيًا: دلالة قرار التجميد القضائي

قرار المحكمة بتجميد أوامر الهدم وإلزام النيابة بالرد السريع يعكس اعترافًا ضمنيًا بخطورة الإجراءات المطعون فيها، وبأن تنفيذها دون فحص قضائي معمّق قد يفضي إلى أضرار غير قابلة للإصلاح.

ورغم أن المحكمة العليا الإسرائيلية كثيرًا ما صادقت في السابق على سياسات هدم بذريعة الأمن، إلا أن هذا القرار يشي بوجود حرج قانوني حقيقي، خاصة في ظل اتساع الانتقادات الدولية لاستخدام الهدم كأداة ردع جماعي، وليس كضرورة أمنية محددة ومتناسبة.

ثالثًا: دور مركز عدالة وأهمية المسار القانوني

يشكّل الالتماس الذي قدّمه مركز عدالة مثالًا على أهمية العمل القانوني الحقوقي في مواجهة السياسات التعسفية، حتى ضمن منظومة قضائية معقّدة ومقيّدة بالسياق السياسي والأمني.

فالالتماس لا يطعن فقط في أوامر هدم بعينها، بل يضع المحكمة أمام اختبار جوهري:

هل تُقدَّم “الضرورات الأمنية” بوصفها ذريعة مطلقة تعلو على القانون، أم تخضع لمبدأ التناسب، والضرورة، والمساءلة؟

رابعًا: البعد الإنساني والمسؤولية الدولية

مخيم نور شمس، كغيره من مخيمات اللاجئين، يتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الدولي، باعتباره تجمعًا مدنيًا محميًا في أرض واقعة تحت الاحتلال.

وأي هدم واسع النطاق دون ضرورة عسكرية قاهرة يُعدّ، وفق المعايير الدولية، انتهاكًا جسيمًا قد يرقى إلى جريمة حرب، خاصة إذا اقترن بتهجير قسري أو إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية المدنية.

خامسًا: ما بعد القرار… إلى أين؟

يبقى قرار التجميد خطوة مؤقتة، لا ترقى بحد ذاتها إلى ضمانة حقيقية ما لم تُترجم إلى وقف نهائي لأوامر الهدم، ومراجعة شاملة للسياسات التي تنتجها.

فالخطر الحقيقي يكمن في أن يتحول القضاء إلى أداة لإدارة الأزمة وتأجيلها، بدلًا من معالجتها من جذورها، عبر تكريس احترام الحقوق الأساسية للسكان الواقعين تحت الاحتلال.

خلاصة

إن قضية مخيم نور شمس ليست نزاعًا قانونيًا تقنيًا، بل هي مرآة لصراع أعمق بين منطق القوة ومنطق القانون.

ويبقى الرهان قائمًا على أن يشكّل هذا القرار مدخلًا حقيقيًا لوقف سياسة الهدم، لا مجرد محطة عابرة في مسار طويل من الانتهاكات، وأن تتحمل إسرائيل، كقوة احتلال، مسؤولياتها القانونية والأخلاقية كاملة، بعيدًا عن ذرائع الأمن التي أثبتت التجربة أنها لا تجلب أمنًا، بل مزيدًا من التوتر وعدم الاستقرار.