الحرب العدوانية لم تتوقّف
نشر بتاريخ: 2025/11/06 (آخر تحديث: 2025/11/06 الساعة: 14:42)

من يعتقد أن الحرب العدوانية على الفلسطينيين في قطاع غزّة والضفة الغربية، وعلى عموم المنطقة توقفت لا شكّ أنه يقع في وهم كبير. الحرب على غزّة بخصائصها ووتيرتها قبل التوقيع على «خطّة ترامب»، قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، قد توقّفت، ولكن ما جاء بعدها يشير إلى أنها مستمرة بوتائر أخرى منخفضة وبمضامين وأهداف لا تبتعد كثيراً عن الأهداف التي أراد بنيامين نتنياهو المطلوب لـ»الجنائية الدولية» تحقيقها، ولم يفلح.

إدارة الحرب الهمجية على القطاع، أصبحت في يد الولايات المتحدة الأميركية التي أنشأت قاعدة في «كريات غات» يقولون إن أربعين دولة ومنظمة تشارك فيها لإدارة التنسيق بشأن غزّة.

غير أن انتزاع القرارات بشأن غزّة من يد حكومة الاحتلال، يقوم على تفاهمات، تبدو واضحة من خلال الممارسة، مفادها: أننا كأميركيين سنحقق لكم ما أردتم، عبر المفاوضات والإملاءات، وشيء من العمل العسكري إذا اقتضى الأمر ذلك، مع إتاحة المجال للجيش لكي يقوم بعمليات محدودة، تستهدف الاغتيالات.

القتل لا يزال مستمراً في غزّة، على نحو يومي، والتجويع لا يزال مستمراً، حيث لم تنفذ دولة الاحتلال ولم تضغط الإدارة الأميركية، من أجل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه لا فيما يتعلق بالمعدّات، ولا فيما يتعلق بالأدوية والغذاء، ولا فيما يتعلق بالخيام وأماكن الإيواء، ولا بشأن المواد الأولية اللازمة لإعادة ترميم خطوط المياه، والصرف الصحّي، والكهرباء، والمعابر مغلقة.

أهل غزّة لا يزالون في العراء، أو في خيام بالية، وضمن منطقة محدودة، فيما يُقبل فصل الشتاء بصقيعه، ووحوله. صحيح أن الإدارة الأميركية تراجعت عن هدف تهجير الفلسطينيين، ولكن أليس كل ما يعانيه أهل غزّة يشكل سبباً، لدفع الناس إلى خارجها إذا أتيحت لهم الفرصة لذلك؟

هل يمكن الثقة بإدارة دونالد ترامب، من أنها لن تفعل كل ما يلزم، لتهجير السكان أو أكبر عدد ممكن منهم؟

لم تعد تخجل الدولة العبرية من أن تعترف، بين الحين والآخر، أنها فقدت سلطة القرار، وأن عليها دائماً العودة إلى الطرف الأميركي قبل التصرّف، وبأنها كل مرة تتحدث عن ضغط أميركي.

وفي الضفة حدّث ولا حرج، فتحت أعين المجتمع الدولي يجري فرض السيادة، برضى وربما بنصيحة من الإدارة الأميركية، التي استغربت ورفضت تصويت «الكنيست» الإسرائيلي على الضمّ، ولكنها تسمح بتنفيذ ذلك من دون إعلانات، لكي لا تغضب الشركاء العرب والمسلمين.

لم يسمع أحد، نقداً أو إدانة من الإدارة الأميركية لمشروع قرار في «الكنيست» يقضي بإعدام الأسرى الفلسطينيين.

الإدارة الأميركية، تتداول مشروع قرار لمجلس الأمن، بشأن طبيعة وتشكيل القوة الدولية، التي ستتولّى الأمن في القطاع، ومشروعها يتحدث عن قوة تنفيذية، أي ليست قوة حفظ سلام.

نتنياهو يقول بأنه يساهم في صياغة مشروع القرار، وأنه قبِلَ بهذا التوجّه بعد أن كان يرفضه، فهل كان سيوافق عليه إن كان لا ينسجم ومصلحة كيانه، بشأن تحقيق ما عجزت عن تحقيقه من الأهداف؟

على أن أمر إقرار المشروع، من قبل مجلس الأمن، لا يجد طريقاً معبّداً، فلا الفلسطينيون يوافقون عليه، وحتى إن كانت إدارة ترامب لا تعيرهم اهتماماً، فإن الجماعة العربية والإسلامية لا توافق عليه كما يبدو، ولذلك فإن المتوقّع أن يظل المشروع يدور في أروقة الأمم المتحدة، وإمّا أن يخضع لتعديلات مقبولة، إذ ان إمكانية حصوله على موافقة مجلس الأمن تبدو محدودة في ظل الاعتراضات عليه.

الحرب الإبادية لا تزال قائمة في المنطقة، لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط التي لم تستقر بعد، ومن غير المرجّح أن تستقر، على ما تريده أميركا ودولة الاحتلال.

إذا كانت الحكومة الفاشية الإسرائيلية فقدت السيطرة على القرار الذي استولت عليه أميركا، فإن نتنياهو الذي قال في بداية الحرب العدوانية إنه يخوض معركة وجوده، سيفتح جبهة أخرى وربما جبهات أخرى.

التهديدات تتصاعد من قبل حكومة الاحتلال لتصفية الحساب مع «جماعة أنصار الله» «الحوثيين» في اليمن، التي تتوعّدهم، بعقاب مزلزل طالما أنهم يشكلون تهديداً لدولة الاحتلال.

جبهة لبنان لا تزال مفتوحة على اتساعها، إذ تستمرّ الغارات والقصف الهمجي الإسرائيلي على نحو يومي، وفي كل يوم يسقط شهداء وجرحى، ويجري تدمير بُنى تحتية بزعم استخدامها من «حزب الله» اللبناني.

الدولة اللبنانية لا تزال تراهن على المفاوضات، وتصرّ على أنها الطريق الوحيد لاسترجاع الأرض، وضمان السيادة، ولكنها لا ترغب في الاستماع لاتهامات دولة الاحتلال لها بالتردّد في السيطرة على سلاح الحزب.

التصريحات الإسرائيلية تعدّت خطاب الاتهام الموجّه للدولة اللبنانية، وبدأت تتحدّث عن أن الحزب استعاد كل قوته وقدراته أفضل مما كان عليه.

هذه التهديدات الصريحة من قبل المستويات العليا في دولة الاحتلال وتنذر بقرب الانفجار، دفعت الإدارة الأميركية للطلب من الكيان المحتل التريّث حتى نهاية الشهر الجاري، قبل أن تتحرّك في لبنان.

من الواضح أن الدولة اللبنانية تراهن على الوقت، وتراهن على أن أميركا لن تسمح بانفجار الوضع، وأن عليها أن تقوم بعمل جدّي ضد سلاح الحزب، شمال الليطاني، وهو أمر صعب المنال، ولكن عسى أن تقع أحداث كبرى أخرى تؤدّي إلى صرف أنظار الإدارة الأميركية عن هذا الملفّ.

ولكن حتى في حال تحقّقت مراهنات الدولة اللبنانية، فهل ستقبل أو يقبل اللبنانيون استمرار الأوضاع، بما هي عليه من استمرار العدوان الإسرائيلي؟

الحرب لا تزال مفتوحة، فملف إيران النووي والصاروخي، لم يغلق بعد، ولا يبدو أن ثمة إمكانية للتوصّل إلى اتفاق بشأنه.. والحرب لا تزال مفتوحة، طالما أن دولة الاحتلال تواصل احتلالها لمزيد من الأراضي السورية، وتعبث بالأوضاع الداخلية، وتضع النظام الجديد أمام خيارات صعبة لم تعد تنفع معها السياسات المتخاذلة، والواهنة، والمستجدية.