قطاع غزة بين حلين
نشر بتاريخ: 2025/10/21 (آخر تحديث: 2025/10/21 الساعة: 23:20)

وضع ترامب خطته ذات العشرين بنداً وهي عبارة عن مبادئ أو اتفاق إطار يحتاج كل بند من بنودها إلى أدوات تنفيذية ولوجستية ومالية لتطبيقه.

فهي تحتاج إلى قرار مجلس أمن وإلى قوة شرطة فلسطينية مدعومة بقوة أمم متحدة «يونيفيل» تحظى بموافقة ودعم المواطنين في قطاع غزة والشعب الفلسطيني، وتحتاج إلى موازنة كافية للتنفيذ في كل المراحل.

لا شك في أن وقف حرب الإبادة والتهجير وتدمير مقومات الحياة والبقاء، يرتبط بالانتقال إلى بديله وهو الحل الدولي الذي يعبر عن إرادة الأكثرية الساحقة من دول العالم كما ورد في وثيقة نيويورك وقرارات الجمعية العامة في دورتها الأخيرة، والتي يمكن تلخيصها بإنهاء احتلال قطاع غزة والضفة الغربية وإقامة الدولة الفلسطينية.

ولأن إدارة ترامب الملتزمة برفض نتنياهو للدولة الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، اضطرت إلى وضع بند الدولة والحل شكلاً وقيدته بشروط مرهونة برضا نتنياهو وحكومته الكهانية المستحيل، واستبعدت مشاركة السلطة والمنظمة بوصفهما الشرعية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية.

ويمكن القول إن الموقف الأميركي الإسرائيلي المعطل والمعرقل للحل السياسي جاء امتداداً لحرب السنتين التي اقتصرت على الحسم العسكري وتدمير كل غزة وربطته بالحل الفاشي للقضية الفلسطينية وهو التدمير والقتل والتهجير والضم.

وعندما رفض العالم الحل الفاشي وقدم الحل السياسي الدولي المدعم بالقانون الدولي وبمئات القرارات للقضية الفلسطينية، اضطر ترامب للتكيف البراغماتي الشكلي بدون التزام حقيقي بالحل السياسي ما جعل خطته غير قابلة للتطبيق ومحفوفة باحتمالات الفشل.

تهرب ترامب من مهمة إنشاء قوة دولية عربية تُسنِد جهاز شرطة فلسطينياً قوياً تابعاً للسلطة الوطنية لتعبئة الفراغ الناجم عن خروج حماس المفترض من الحكم بحسب خطة البنود الـ 20.

وأولى المهمة لحركة حماس التي بدأت بترميم أجهزتها الأمنية وباستعادة سيطرتها، بإجازة مباشرة من حاكم غزة الجديد دونالد ترامب.

واستعاض عن المرجعيات الدولية بمرجعيته الشخصية وبتغريداته اليومية التي يؤيد فيها ويقبل، يحذر ويرفض ويهدد، يتراجع ويمضي كحاكم بأمر الله.

أُعجب ترامب بتصفية حماس للعملاء والمتمردين على سلطتها بطريقة وصفتها المنظمات الحقوقية بالوحشية، وبعد 24 ساعة أصدر أمراً بوقف التصفيات والقتل. قال إن قيادة حماس وعدت بتسليم سلاحها، وعندما سمع العكس هدد بتنفيذ عملية نزع السلاح بالقوة.

يعترف فانس نائب ترامب بالافتقاد لبنية تحتية أمنية جاهزة لنزع سلاح حماس، ويضيف إن حماس تفككت إلى 40 مجموعة يلتزم بعضها بوقف إطلاق النار والعديد منها لا يلتزم.

وهو ما تَفهمهُ ترامب عندما قامت مجموعة من حماس بقتل ضابط وجندي إسرائيلي وإصابة آخرين في هجوم داخل مدينة رفح حين اعتبر المجموعة متمردة على حركة حماس الملتزمة بالاتفاق.

يُفهم من ذلك أن ترامب وإدارته يمضون في الحل الذي يقبل به نتنياهو، وهو تفادي المشاركة الدولية ومؤسساتها وتفادي المشاركة الفلسطينية ومؤسساتها، وذلك من أجل تفادي إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.

ترامب ونتنياهو يعتقدان أنهما قادران على إنجاز المهمة من خارج الشرعيات.

أي عبر ممولين يأتمرون بقرارات ترامب بوصفهم صرافاً آلياً.

وعبر حماس الجديدة القادرة على تطويع المتمردين من عشائر وعائلات ومعارضين وعملاء، والقادرة على احتواء مجموعات القسام التي تعمل منفردة، وبقاء حماس كطرف يسيطر على المجتمع الفلسطيني ويستمر في فصل القطاع عن الضفة الغربية وتحصيل حاصل في الحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية.

حماس الجديدة هي التي يقتصر سلاحها على السيطرة والقمع وضمان أمن غلاف غزة ولا تستخدم سلاحها ضد إسرائيل.

في المباراة بين الحل الدولي والحل الفاشي الإسرائيلي الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية أخفق الأخير، وقد رفضه العالم بشكل صريح وغير ملتبس بعد عامين من حرب الإبادة التي حولت إسرائيل إلى دولة منبوذة ومعزولة وغير موثوقة، حتى لدى حلفائها القدامى والجدد، بيد أن خطة ترامب والأسلوب المتبع في التطبيق تحاول الالتفاف على الإخفاق بإعادة إنتاج مشروع نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية بأشكال جديدة قديمة، وذلك من خلال ترويج ترامب لنتنياهو وسعيه لتبرئته من التهم ومن مسؤوليته وحكومته عن هجوم 7 أكتوبر، والحفاظ على استمراريته في الحكومة وربما مساعدته بالفوز في الانتخابات القريبة القادمة. صحيح أنه فرض عليه وقف الحرب والتهجير والضم، لكنه رفض بديلها المنطقي وهو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.

من جهة أخرى تدعم إدارة ترامب سياسة نتنياهو في إعادة إنتاج حكم حماس في قطاع غزة، كما أوضحت في بداية المقال.

الغريب في الأمر هو استجابة قيادة حماس أو الاتجاه الرئيس فيها للعبة الجديدة بغطاء مضلل لقاعدتها التنظيمية والاجتماعية. كالادعاء بأن العدوان فشل في تحقيق أهدافه في الوقت الذي حققت فيه الحركة أهدافها، وأن تسليم السلاح خارج النقاش وغير وارد بما يتناقض مع البنود العشرين التي ينص البند 6 والبند 13 على تسليم السلاح مع خيار بقاء من يرغب مع الالتزام بالتعايش السلمي، أو الانتقال إلى دول مضيفة وتدمير البنية التحتية بما في ذلك الأنفاق ونزع السلاح بإشراف مراقبين.

وبما يتناقض مع أهداف حركة حماس من طوفانها الذي كانت نتيجته متعاكسة تماماً مع الأهداف باستثناء الإفراج عن آلاف المعتقلين، مع العلم أنه بقي 10 آلاف معتقل داخل السجون.

قيادة حماس تعلم أن كلامها لا يقنع أحداً لديه حد أدنى من المتابعة والمعرفة، هي تتوجه لجماعة السمع والطاعة وللوكلاء الجدد الذين يروجون مواقفها حتى عندما تنقلب من الانتصار إلى الاستسلام.

أصبحت حماس في سباق مع الزمن بعد أن منحها ترامب ومن خلفه نتنياهو فرصة إعادة السيطرة على القطاع أو أجزاء منه. فلجأت إلى الإعدامات الميدانية دون محاكمات وباستخدام أساليب الهدف المعلن منها ردع العملاء، ولكن ليس بهذه الطريقة المنفرة بل بالمحاكمة وفقاً للقانون.

والقانون الوحيد المعترف به هو القانون الفلسطيني الذي أصبح جزءا من القانون الدولي بعد التوقيع على الاتفاقات والمعاهدات التي أصبحت فلسطين جزءا منها.

أما الهدف غير المعلن فهو ترهيب المواطنين وقطع الطريق على مساءلتهم لقيادة حماس حول مقامرتها يوم 7 أكتوبر والكوارث التي ألحقتها حرب الإبادة الإسرائيلية بـ 2.3 مليون مواطن وبمستوى أقل بمجتمع الضفة الغربية.

إن الثمن الذي ستدفعه قيادة حماس مقابل بقائها في المشهد السياسي، سيجعل منها أداة لقمع مجتمعها وفصله عن الأجزاء الأخرى في الضفة الغربية ومناطق 48، وأداة لتكريس فصل قطاع غزة عن الضفة ومنع إقامة دولة فلسطينية، وسيجب ذلك الثمن الباهظ ميثاق حماس وخطابها السياسي والديني وأهداف طوفانها.

لتصبح الحركة مرة أخرى «أنت منذ الآن، غيرك « بحسب قصيدة درويش عن انقلاب حماس في العام 2007.

مسؤولية قطع الطريق على خيار حماس في الانتحار السياسي بعد الانتحار العسكري، مسؤولية المجتمع الغزي أولاً ومسؤولية كل فلسطيني يناضل من أجل حرية شعبه ومسؤولية كل من بقي محتفظاً بعقله في التنظيمات والفصائل.

وفي خضم البحث عن النجاة الوطنية لا ينبغي مقايضة وقف الحرب والتهجير والضم بتراجع المبادرة السعودية الفرنسية التي أصبحت مبادرة عالمية عن زخم وضع الحل الذي ينهي الاحتلال الإسرائيلي ويمكن الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره وإقامة دولته في صدارة الأجندة الدولية.