نشر بتاريخ: 2025/12/25 ( آخر تحديث: 2025/12/25 الساعة: 13:07 )
حسن عصفور

الرئيس عباس..من خطاب تعزيز الرواية الفلسطينية إلى بيان "خدشها"

نشر بتاريخ: 2025/12/25 (آخر تحديث: 2025/12/25 الساعة: 13:07)

في حدث لم يسبق أن قام به الرئيس محمود عباس منذ انتخابه يناير 2005، أن يصدر بيانا باسمه مدافعا عن مؤسسة فتحت باب الجدل الوطني الكبير، لما فعلته مساسا بالظاهرة الأنبل في مسار الثورة الفلسطينية، وشعب فلسطين منذ انطلاق مواجه العدو الأول قبل العدو الثاني.

بيان الرئيس عباس حاول استخدام مكانته السياسية، والتي لم يكن لها أن تنزلق، ليحمي مؤسسة أثارت غضبا شعبيا موحدا قل نظيره في السنوات الأخيرة، كانت حركة فتح في طليعة رافضيها، مع كل من لهم في العطاء الكفاحي نصيب.

بيان الرئيس عباس، الذي انحاز لغير الصواب الوطني، اختفى كثيرا حول عنوان بات دارجا في الفترة الأخيرة، يسمى "إصلاح النظام السياسي" الفلسطيني، يطال فيما يطال المنهاج التربوي والتعليمي، دون أي وضوح أو معلم ماذا يراد من ذلك، وحدوده، وهل يشمل مضمون الرواية الفلسطينية حول اغتصاب فلسطين والنكبة، وكل ما تلاها من فعل مسجل عبر وثائق دولية، قبل أن تكون محلية.

وتذكيرا للرئيس محمود عباس بما تحدث به يوم 23 سبتمبر 2022 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في خطاب سيبقى أحد أهم ما تحدث به حول الرواية التاريخية الفلسطينية، والتي قال فيها " أتحدث إليكم باسم أكثر من أربعة عشر مليون إنسان فلسطيني، عاش آباؤُهم وأجدادُهم مأساة "النكبة" مُنذ أربعة وسبعين عاماً، ولا زالوا يعيشون آثار هذه "النكبة" التي هي وصمة عار في جبين الإنسانية، وبالذات في جبين أولئك الذين تآمروا وخططوا ونفذوا هذه الجريمة البشعة".

هل يملك الرئيس عباس أن يزيل من أي منهاج تربوي وتعليمي جديد ما قاله حول النكبة وما تركته وما زال قائما، من أجل ترضية بعضا لا يبحثون حلا لفلسطين بل إزالة ما يرونه حصارا قانونيا وسياسيا لدولة الاحتلال، بعدما بات اسمها يذكر مرادفا للنظام النازي بما ارتكبته من جرائم حرب وإبادة جماعية تضاف لسجل إرهاب طويل.

وقبلها، ما علاقة إصلاح النظام السياسي بتغيير المناهج التعليمية، ورواتب الأسرى والشهداء، الذين وصفتهم أنت بذات خطابك أمام المنظومة الأممية، " أما أسرانا البواسل، ضمير شعبنا الحي، الذين يضحون بحريتهم من أجل حرية شعبهم، فهؤلاء تعجز الكلمات عن وصفهم، هم شهداء أحياء، هم أبطال وقادة راسخون، وستظل حريتهم أمانة في أعناقنا، ولن نتركهم حتى ينالوا حريتهم. ولن نترك أبناءهم وبناتهم وأسرهم وأهليهم".

الرئيس محمود عباس، لقد سبق أن قام رئيس الولايات المتحدة جورج بوش الابن يونيو 2002، بعرض مقترحه حول "حل الدولتين"، والذي بات شعارا مستخدما في مختلف البيانات اللاحقة، مشروطا بالقيام بـ "إصلاح دستوري" بتعيين رئيس وزراء لسحب بعض صلاحيات الرئيس ياسر عرفات، وكان لهم ذلك بعد تعديل النظام الأساسي (الدستور المؤقت)، وكنت أنت أول رئيس وزراء للسلطة الفلسطينية، ورغم ذلك التنازل الكبير، لم تتقدم دولة الاحتلال بخطوة سياسية مقابلة، ولم تذهب أمريكا نحو تنفيذ أي مما وعدت به مقابل التغيير الكبير.

ورغم الاستجابة "الإصلاحية، تخلصت أمريكا ودولة الاحتلال في 11 نوفمبر 2004، من الزعيم المؤسس الخالد ياسر عرفات، كأحد الخطوات التي رأوها بوابة لا بد منها لتدمير الكيانية الوطنية الأولى فوق أرض فلسطين، بديلا لتنفيذ وعد "حل الدولتين".

وتذكيرا مضافا، منذ انتخاب الرئيس محمود عباس يناير 2005، هل قدمت دولة الاحتلال ومعها الولايات المتحدة أي فعل يمكن اعتباره وفاءا بوعد حل الدولتين، أم كل ما كان لاحقا هو ما وصفه خطاب سبتمبر 2022 بدقة سياسية عالية " إننا لا نقبل أن نبقى الطرف الوحيد الذي يلتزم باتفاقات وقعناها مع إسرائيل عام 1993، اتفاقات لم تعد قائمة على أرض الواقع". و" أطالب الأمين العام للأمم المتحدة بالعمل الحثيث على وضع خطة دولية لإنهاء الاحتلال لأرض دولة فلسطين، من أجل تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، (القرار1515).

هل تغيرت دولة الاحتلال بعد خطاب الرئيس محمود عباس نحو الاستجابة، أم ذهبت لارتكاب أحد أقذر جرائم العصر الحديث منذ أكتوبر 2023 وحتى تاريخه، مع إعلان صريح بأنهم يبحثون عن إزالة الوجود الفلسطيني وإذابته كي يتم فرض السيادة اليهودية على أرض فلسطين كاملة.

الرئيس محمود عباس، وقبل الذهاب لتقديم "وعود الوهم الإصلاحي"، أليس مطلوبا ممن يطالبون به أن يزيلوا كل احتلال من أرض دولة فلسطين، كي يتاح لها تنفيذ رغباتهم "الإصلاحية" في إطار نظام خال من الوجود الاغتصابي المتعارض كليا مع قرارات الشرعية الدولية.

الرئيس محمود عباس، إلى أن تتم صحوة المطالبين بإصلاح نظام منتظر قيامه، واجبك تنفيذ ما أعلنته في خطاب سبتمبر 2022 " فقد أصبح من حقنا، بل لزاماً علينا، أن نبحث عن وسائل أخرى للحصول على حقوقنا، وتحقيق السلام القائم على العدل، بما في ذلك تنفيذ القرارات التي اتخذتها هيئاتنا القيادية الفلسطينية، وعلى رأسها المجلس المركزي الفلسطيني". وهي القرارات التي تعلن فك الارتباط بدولة عدو وتعلن قيام دولة فلسطين فوق أرض فلسطين وفقا لقرار عام 2012 ومعه سحب الاعتراف بدولة الفاشية اليهودية.

الرئيس محمود عباس، مهمتك تعزيز الرواية الفلسطينية التي جسدها خطاب سبتمبر 2022، وأن تمسح من تاريخك بيان النيل منها دفاعا عن وهم سياسي وخدعة كبرى.