ما الذي تريده إسرائيل ..؟
أكرم عطا الله
ما الذي تريده إسرائيل ..؟
إلى أبعد مما يحتمله العقل البشري ذهبت إسرائيل بما فعلته في غزة، تاركة المنطقة تغرق في همومها التي تحتاج لسنوات طويلة كي تتعافى منها إذا استطاعت، وهذا مشكوك فيه فالمنطق الذي يسود في الخطاب العام في الدولة هو منطق عنجهي. صحيح أنه يتكئ على وقائع صنعتها القوة العسكرية في الإقليم ولكن في كل معارك التاريخ كانت هناك معادلات شبيهة، لكن أياً من المنتصرين لم يكن بهذه الغطرسة والبشاعة.
من يراقب المشهد العام في سنواته الأخيرة يدرك أن إسرائيل لم تكن قوية، لكن الفلسطينيين كانوا شديدي الهشاشة وأن إسرائيل لم تكن عبقرية، بل كان الفلسطينيون يُسَيّرون شعبهم بنوع من السذاجة وخطاب شديد التواضع وشعارات أريد لها أن تغطي عورة الكفاءة ليقعوا في أسوأ الكمائن التي حفرها لهم التاريخ الذي لا يحمي البسطاء، هنا ليس من المبالغة القول إن إسرائيل كانت محظوظة بخصومها متكئة على ما لديهم من فقر سياسي ومعرفي لتحصد كل هذه النتائج.
في العادة التي خزنتها ملفات التاريخ وآثار صراعاته أنه بعد الحروب الكبرى تجيء سياسات كبرى، ولكن العقل المصاب بلوثة القوة وعبء المسار المختل بغض النظر إذا كان واقعياً أو متخيلاً يعاند كل التجارب الإنسانية والسياسية ليزيد من تعميق الصراع باحثاً عن حلول تلتف على تلك التجارب ليزيد من هيمنته على شعب آخر وتكريس احتلاله والتحكم بمصيره باحثاً عن حلول تفجيرية كبرى.
لا يمكن النظر للخريطة التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب سوى حالة عبث سياسي كانت إسرائيل ورئيس وزرائها يشرفون على صياغتها بكل العيوب والثقوب التي تحتويها.
لا أحد حتى اللحظة يفهم كيف تتوقف حرب بهذه الجسامة وهذه الإبادة دون أن تفتح مساراً سياسياً يبحث أصل المشكلة ويضع أصول الحلول ؟.
تلك هي حكمة رئيس يجيء من عالم لا علاقة له بالسياسة يديرها بمنطق الصفقات والمضاربات والتلويح بالقوة التي تشي بها خطاباته بأن سياسته هي امتداد لما تملك دولته من طائرات وصواريخ وقنابل تمكن بوتين من رشوته في خطة أوكرانيا بمبلغ ثلاثمائة مليار.
هذا المفتاح الأبرز للرئيس وتلك كانت سهلة على العرب.
ماذا يعني أن يعقد اجتماع لتشكيل قوة دولية في غزة ويجري استدعاء مجلس حكم من غرباء العالم لإدارة أو الإشراف على القطاع، كأن تلك المنطقة يتيمة تبحث عن تبنٍ لها ؟
تلك هي الحلول المعوجة التي تبنيها العقول غير السوية بخليط من الفهلوة والدهاء والبلطجة تتجاوز فيها إرادات الشعوب لتحافظ على الشكل الشاذ من الاحتلال. فقطاع غزة هو الجزء المركزي من اتفاقيات مودعة منذ ثلث قرن في مجلس الأمن والأمم المتحدة نصت على مسؤولية السلطة لهذا الجزء من المكان.
صحيح أن حركة حماس ارتكبت خطيئة طردها للسلطة لكن ذلك لا يغير حقائق التاريخ أنه خلال سنوات من سيطرة حماس ظلت السلطة مسؤولة عن القطاع في معظم التفاصيل اليومية. فلماذا يضعون خطة باحثين عمن يحكم غزة كأنها قطعة أرض معروضة في مزاد علني ؟
لقد تلكأت السلطة في التقدم مبكراً منذ أول الحرب لتطلب إعادة التفويض لعودتها لحكم منطقة هي مسؤولة عنها بالمعنى القانوني ؟
ولماذا لم تعلن حماس استدعاءها للسلطة لحكم غزة لقطع الطريق على الاحتلال والوصاية ؟
لقد خشيت السلطة أول الحرب أن يقال إنها تأتِي على دبابة إسرائيلية فأرادت الحفاظ على سمعتها على حساب تقسيم المكان وإبادته وسيطرة الاحتلال بدل أن تبادر بحركة تسبق بها الاحتلال، كانت كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال قبل أن تضيع غزة.
بأي منطق تقرر إسرائيل وتجر خلفها العالم والعرب بأنه «لا حماسستان ولا فتحستان ستحكم غزة» وقد نفهم أن هناك إجماعاً كبيراً على إنهاء حكم حماس يبدأ من البيت الأبيض وينتهي بالغزيين أنفسهم ولكن كيف يتواطأ العالم مع إسرائيل وينحني عند رغباتها وبرنامجها برفض حكم السلطة لقطاع غزة ؟
صحيح أن منطق القوة هو السائد ولا يغيب عند القراءة حين نحلل نتائج الإبادة والحرب ومنطق المنتصر والمهزوم لكن حتى أعتى المنتصرين كانوا يبحثون عن مسوغات ولو بالحد الأدنى من الأخلاق أو السياسة وليس منطق العربدة.
هذا لم يمر والمأساة أن العالم كله يجري اقتياده خلف هذا المنطق، إنه حق القوة في غياب قوة الحق وهذا ما يجب على الفلسطينيين إدارة السياسة وفقاً لوقائعه وواقعه وإلا سيغرقون أكثر كما غرقهم الحالي الذي كان منتج الجهل بمفاتيح السياسة.
ومع ذلك بعد أن تسلمت إسرائيل أسراها في المرحلة الأولى تبدو الخطة الأميركية ببعض نصوصها تتعارض مع تحديثات إسرائيل، والتي أيضاً سيرضخ العالم لها حين تخرج بثوب أميركي... قيمة الركام في مناطق سيطرة إسرائيل تبلغ سبعة مليارات فيكلف ترامب إسرائيل بإزالته فتدفع مليار دولار ....هكذا تدار المنطقة وعلى طرفي الخط الأصفر خطط ومشاريع تنتظر الخرائط الإسرائيلية كاستثمار مشوه للحرب، هذا هو نتاج انعدام الكفاءة في إدارة الشعوب وقتال إسرائيل في نقطة قوتها ...أرأيتم ؟