الخيمة جريمة.. وشتاء غزة كارثة
بهاء رحال
الخيمة جريمة.. وشتاء غزة كارثة
الكوفية جاء صوت الصحفي محمد الأسطل عبر أثير راديو أجيال قائلًا: الخيمة جريمة وليست حلًا وسط الكارثة. كان صوته يحكي ظرف الواقع الذي حلّ بالناس في غزة، خاصةً مع دخول المنخفض الجوي الذي شاءت السماء أن تكون ذروته وذروة الهطولات المطرية والبرد القارس من نصيب غزة، فغرق الناس في الوحل وغرقت خيامهم وثيابهم وأغطيتهم، وزادت الكارثة عليهم واتسعت المعاناة التي لم تتوقف منذ أكثر من عامين وشهرين.
صورُ الحقيقة موجعة، والناسُ في العراء والبرد الشديد، وهذا الشتاء قاسٍ، وأحوال أهل الخيام تعجز الكلمات عن رصد معاناتهم كما تعجز الصورة عن رصد كل أشكال عذاباتهم، وإن ما نراه ما هو إلا جزء بسيط من أهوال ما يعيشه الناس.
ليس أبشع من هذا العراء، وليس أكثر وجعًا من العيش بلا مأوى أو سقف يحميك ويحمي الأبناء وكبار السن من هذا الغرق.
هطولات مطرية كثيفة وبرد قارس وخيام غرقت في الوحل وأغرقت الذين احتموا بالخيمة، لكنها لم تدفئهم، بل قلبت ليلهم جحيمًا في العراء البارد والماطر، وتحولت المناطق التي آوت الخيام إلى بحيرات مائية تسبح فيها الأواني والأغطية والملابس وبقايا الطعام.
لماذا يا رب اخترت غزة مركزًا لمنخفض جوي صعب؟ لماذا وقد غرقت غزة بمياه الأمطار بعد أن غرقت بالدم؟
ماتت الطفلة رهف أبو جزر وهي في شهرها الثامن من عمرٍ قضته بين خيمة وخيمة، وقبل أن تتم عامها الأول على قيد الحياة توفيت بسبب البرد والمطر، فلم يقوَ جسد الصغيرة على احتمال واقع العراء تحت الشتاء في ليلة باردة ممطرة.
ما تنقله الصورة ونشرات الأخبار ليس حدثًا عابرًا، بل وجعًا يستقر في أعماق النفس البشرية، ومع كل قطرة ماء تنزل من السماء تلسعنا صيحات الصغار والكبار الذين يعيشون بلا مأوى، بلا سقف يحتمون في ظلاله، بلا ملابس كافية، بلا مدفأة.
وهذا قدرُ الناسِ في غزة، وعليهم الصبرُ فوق الصبر الذي صبروه، وهم يعيشون المعاناة بكل أشكالها وبكل أوجاعها وآلامها، وعلى الناس في غزة أن يشهدوا كل هذه المصائر وهذا الظلم الواقع عليهم. فلا اتفاقيات التهدئة أعادتهم إلى بيوتهم ولا وعود الوسطاء حمتهم من مطر الشتاء، وكل قوانين العالم لم تؤمن للطفلة رهف ولو خرقة تتدثر بها لتنجو من الموت بردًا، ولا حول للناس في غزة غير الدعاء والرجاء.
الإحصائيات الأخيرة تشير إلى أن عدد الوفيات في قطاع غزة جراء المنخفض الجوي هو 14 شخصًا، ماتوا بردًا، غرقوا في مياه الأمطار التي جرفت خيامهم وتركتهم في العراء، يرتجفون من البلل، ولا سقف يحتمون تحته، ولا جدران تمنع عنهم البرد والمطر.