طارق وفيق الريس… كاتب يصنع الوطن من ورق
بقلم: شريف الهركلي
طارق وفيق الريس… كاتب يصنع الوطن من ورق
الكوفية في عالمٍ يختلط فيه الواقع بالوهم، وتصبح الأوراق أحيانًا أثقل من الجبال، يبرز اسم طارق وفيق يوسف الريس، كاتب محتوى فلسطيني وموظف مبيعات بخبرة تتجاوز 11 عامًا في قطاع الاتصالات، يجمع بين الحرفة المهنية والمهارة الإبداعية، ليحكي ما لا يقوى على قوله الكثيرون.
عمل الريس في شركات كبرى مثل Ooredoo وشركة الاتصالات الفلسطينية، لكن شغفه بالكتابة دفعه إلى فتح فضاءه الخاص، وإطلاق مشاريع إبداعية من بينها “غزة غير الإخبارية”، منصة مجتمعية تقدم محتوى إخباريًا وتوعويًا وإنسانيًا، قبل أن يتوّجه إلى سرد تجربته وشهادة جيله عبر كتابه الجديد “وطن من ورق”، الصادر عن دار تاسك في الجزائر.
“وطن من ورق”… رواية بلا حدود
في هذه الرواية، لا يحمل الوطن خريطةً ولا علمًا، ولا حتى نشيدًا. بل يحمل بطاقة لاجئ وجواز سفر ملطّخ بالحبر الأحمر: “غير معترف به”. الريس يصنع من الكلمات قيثارة تعزف وجع الفلسطيني، جيلٌ وُلد على الرصيف، بين القصف والوعود الكاذبة، تباع قضيته بالمزاد، يُعامل كأنه “قنبلة بشرية مؤجلة”، بلا وطن، بلا سند، بلا كرامة.
الكتاب ليس مجرد سرد شخصي، بل مرآة لجيل كامل: حكاية شعب لا يملك من الوطن إلا اسمه، ومن الجواز إلا لونه، وصوت كل من أنكر وجوده العالم، وتركه يتصارع مع حدود وهمية ووثائق هشّة تبحث له عن هوية.
رؤية نقدية ووجع فلسطيني
ما يميز الرواية هو اللغة النارية والرمزية الموجعة، فهي تنبش في وجدان القارئ وتتركه في صراع دائم: هل الوطن حقيقة أم مجرد ورقة؟
طارق وفيق الريس لم يكتفِ بسرد الحكاية، بل قدّم نقدًا صارخًا للمتاجرة بالقضية الفلسطينية، حيث تتحول الهوية إلى صفقة، والوطن إلى سوق، والإنسان إلى سلعة. الرواية، رغم اعتمادها على وقائع موجعة، تُموّه الأحداث لتبقى الحقيقة معلّقة، كما لو أن القارئ نفسه مسؤول عن مأساته.
كاتب يربط بين المهنة والإبداع
الريس يجمع بين المحاسبة المهنية، وخبرة المبيعات، وحسٍ إبداعي في صناعة الرسائل المؤثرة، فكانت كتاباته مثل وطن من ورق امتدادًا طبيعيًا لشغفه بالكلمة، ووسيلة لتحويل التجربة الفلسطينية إلى صرخة أدبية تُسمع خارج حدود فلسطين.
ختامًا
طارق ليس مجرد كاتب؛ إنه صوتٌ لمن لا صوت لهم، شهادة حيّة على جيلٍ فقد وطنه لكنه لم يفقد القدرة على الحكي. عبر “وطن من ورق”، يرسل رسالة قوية: أن الهوية والكرامة لا تُقاس بورقة رسمية أو ختم، بل بالقلب، والكلمة، والإصرار على أن نحيا ونحكي.