زهران ممداني.. أول شرارة من داخل الإمبراطورية
زهران ممداني.. أول شرارة من داخل الإمبراطورية
الكوفية سقوط السردية الصهيونية مقابل سردية غزة يعتبر بمثابه تحولا عميقا في وعي العالم .
فقد أنفقت إسرائيل خلال السنوات السابقة مليارات الدولارات على ماكينة إعلامية ضخمة
صاغت روايتها وزينت صورتها وروجت لنفسها كضحية في مواجهة الإرهاب
لكن مشاهد الحرب الأخيرة على غزة هزمت تلك السردية أمام الحقيقة .
حيث ظهرت الرواية الفلسطينية بدمها وصورتها ووجعها لتنتصر على كل ما صنعته الدعاية.
في زمن كان فيه الانحياز لإسرائيل شرطا غير مكتوب لدخول السياسة الأمريكية
ظهر اسم زهران ممداني كعلامة فاصلة في التاريخ الأمريكي الحديث
رجل مسلم مهاجر يعلن بلا خوف أن نتنياهو مجرم حرب
ويتعهّد باعتقاله لو وطئت قدماه نيويورك.ويهاجم علنا وبكل قوه ترامب وسياساته ويتحداه امام الاعلام .ويفتخر فى دعايته كونه مسلم ومهاجر ومن اصول اسيويه وزوجته عربيه
ثم يفوز في انتخابات عاصمة المال والإعلام الأمريكي ..
كان فوز ممداني صرخة أخلاقية باسم كل الضمائر التي شاهدت مشاهد الإبادة في غزة
حين كانت أغلب الأصوات السياسية الأمريكية تلوذ بالصمت أو تبرر القصف
خرج ممداني ليقول أمام العالم إن السكوت على الجرائم مشاركة فيها
رفض التمويل المشروط وهاجم لوبي أيباك
ووقف في مسيرات الجامعات مع الطلبة الذين قُمِعوا لأنهم قالوا كلمة حرية لفلسطين
كان يقف في صف إنساني واحد مع الشباب الأمريكي الذي كُسرت أوهامه تجاه دولته التي طالما تغنت بالحريّة وحقوق الإنسان
الحرب الأخيرة على غزة لم تضعف فقط بنيان المدينة بل كشفت للعالم الوجه الحقيقي لإسرائيل
وسقطت معها رواية الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط .
الصور التي خرجت من تحت الركام وصوت الأطفال ودموع الأمهات لم تعد تحتاج لمذيع أو ترجمة
فقد تغير الوعي الإنساني العالمي وباتت كلمة ما تسمى إسرائيل تُذكر اليوم مقرونة بجرائم الحرب والإبادة
حتى داخل أمريكا حيث كان الإعلام يجمل كل شيء انكشفت الأكاذيب
وتحول التعاطف الشعبي نحو غزة إلى موقف سياسي متنام لا يمكن إسكاتُه بعد الآن
حين خرج طلاب الجامعات الأمريكية يرفعون صور الشهداء في ساحات الحرم الجامعي
جاء الرد بالقمع والطرد والاعتقال
وهنا تحول الوعي إلى غضب مقدس
هؤلاء الطلبة الذين أُسكتوا اليوم سيكونون غدا الصحفيين والقضاة وصناع القرار في أمريكا
وحين يحكم هذا الجيل لن تكون فلسطين قضية بعيدة بل ذاكرة محفورة في وعيهم
فوز ممداني ابن المهاجر المسلم وزوج العربية المؤيد لغزة
ليس مصادفة ديمقراطية بل علامة على بداية تصدع المنظومة القديمة
جيل جديد من الأمريكيين يرى أن الحرية لا تتجزأ
وأن دعم الظلم في فلسطين يناقض كل ما تؤمن به بلادهم
قد لا يتغير الموقف الرسمي الأمريكي غدا
لكن مسار التاريخ تغير فعلا
فمن بين أنقاض غزة خرجت حقيقة لا يمكن إنكارها
أن الضمير الإنساني يجب ان يكون أقوى من الدبابات
وأن من شاهدوا الإبادة بصمت اليوم سيكتبون غدا فصول العدالة بأصواتهم وضمائرهم
زهران ممداني رمزا لجيل بدأ يقول لا
جيل سيغير وجه أمريكا ويعيد التوازن إلى عالم أنهكته الأكاذيب
ولعل أكثر ما يرعب الكيان الآن ليس الصواريخ ولا الجيوش
بل هذا الوعي الذي يتسلل إلى عقول الشباب في قلب اوروبا و أمريكا نفسها
وعي يقول رأيناكم ونعرف الحقيقة وحان وقت التغيير..
والله غالب
جون مصلح