نشر بتاريخ: 2025/10/25 ( آخر تحديث: 2025/10/25 الساعة: 17:09 )
تحسين يقين

التزام الاحتلال بإنهاء الحرب بين التدليل والضبط

نشر بتاريخ: 2025/10/25 (آخر تحديث: 2025/10/25 الساعة: 17:09)

الكوفية لم نتفاجأ فلسطينيين كنّا أو عرباً أو أميركيين وأوروبيين، بتهديدات دولة الاحتلال في العودة إلى استئناف الحرب على غزة. وحين نقول دولة الاحتلال، فهذا يعني المستويات جميعها وليس فقط رئيس وزرائها، لذلك جرى الحديث عن لقاء نائب الرئيس الأميركي بوزارة الدفاع قبل لقاء رئيس الوزراء.

مفارقة فاضحة، ارتبطت بالتهديدات: لم يكن ساسة الاحتلال قلقين فعلاً بالأسرى الأحياء، بل إنه قبل أشهر حين بدأت الهدنة، وجرى تبادل الأسرى، قطع الاحتلال ذلك وعاد إلى القتل، زاهداً بهم، واليوم «يتكلف» الحرص على الأسرى الأموات!

وعليه، ولأن الولايات المتحدة تعرف حليفتها، فلم يجف حبر توقيع الاتفاق الذي اقترحته وهي الدولة العظمى التي تجاوزت الحلف إلى الشراكة في الحرب، من خلال المال والسلاح وأمور أخرى، أقول، لم يجف التوقيع حتى بعثت وفوداً رفيعة المستوى إلى دولة الاحتلال حتى تلتزم بإنهاء الحرب؛ فليس هناك ما يمنعها من الالتزام في ظل هذا الإجماع. وهكذا فقد بعثت الدولة المضيفة لمؤتمر شرم الشيخ الشقيقة مصر وفداً يرأسه رئيس مخابراتها، أحد أهم مهندسي الاتفاق، من أجل الهدف نفسه. وفي كل يوم تعقد لقاءات للهدف نفسه: جلسة مجلس الأمن، مؤتمر جنوب أوروبا، قبلهما وبعدهما، وكلها لتثبيت وقف إطلاق النار.

توصيف ما يجري دولياً هو «تدليل» دولة الاحتلال!

والسؤال الأخلاقي والقانوني والسياسي: هل ما يفعله العالم هو المناسب أم أنه فعل سيكولوجي، والعالم أدرى «بدولة إسرائيل المحتلة» لتنزيلها عن شجرة التردد والخوف وخلق الذرائع، أم أنه تحليل ميثولوجي شكّل عقدة ما، فهذا لسان إشعياء النبي يصف الحال بقوله: «على الأيدي تُحْمَلون وعلى الركبتين تدللون» (إشعياء 66: 12)؟ وهل نحن جميعاً محتارون إزاء المختارين؟

لسان حال الاحتلال هو أن التزامه بإنهاء الحرب، وإعمار غزة، وفشل ضم الضفة الغربية التدريجي بدءاً بقراءة الكنيست الأولى حول تطبيق القانون الإسرائيلي فيها، والربط الدولي بين الضفة وغزة أرض الدولة الفلسطينية، سيعني فعلياً قيام دولة فلسطين، وهذا ما سوف يكون طبعاً، حيث ستجنّ دولة الاحتلال بأن مشروعنا الوطني، مشروع منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، أصبح مشروعاً عالمياً شعبياً ورسمياً.

والآن ماذا علينا فعله؟

علينا فعل ما نعرفه، وما نحن مقتنعون به، وما ينبغي توخي أقصى خطوات الحذر، وهي أمور تشكل منظومة العمل الوطني المرئية والمستجيبة للإرادة الدولية بقيادة أميركية ومصرية بشكل خاص: مقترحات الرئيس ترامب واستضافة ومشاركة فاعلة للشقيقات مصر وقطر وتركيا. وسنفعل العمل الحكيم لنتجنّب أي فعل عكسي من ساسة الاحتلال.

تطبيق البنود، مع ترك مجال لمفاوضات جادة تحسم تسليم السلاح في غزة، ما يعني تسريع اتفاق الفصائل، خاصة حركتَي «فتح» و»حماس»، حيث سيكون لقاؤهم في مصر هذه المرة منطلقاً جاداً وجديّاً، ما يشكل استفزازاً لدولة الاحتلال.

وسينبثق عن الاتفاق الفلسطيني ما يشكل بيت قصيد اليوم الثاني في غزة، وهو الذي يثير وضع سيناريوهات، حيث ستعود الأمور لأصولها، وهو ما ترفضه «حماس». يساعد في ذلك أن بنية السلطة الوطنية موجودة في غزة.

وجود بنية دولية وعربية وإسلامية في غزة سيكون له معنى حين ينظر لوجود السلطة الوطنية ضمن هذه البنية كأساس، في ظل نظرتنا بأن السيادة فلسطينية، متقبلين وجود فترة انتقالية، ستكون الداعم للعودة الطبيعية السياسية والإدارية لا لوجود السلطة بل لربط الضفة وغزة.

دولة الاحتلال تفشل في محو فلسطين التي ازدادت سطوعاً.

وعليه، فإنه وعند تطبيق اتفاق شرم الشيخ، فإن من المهم جعل الولايات المتحدة شاهدة على سوء التعامل الإسرائيلي. في حين ستكون مصر بمصداقيتها وهيبتها كابحة لجماح الاحتلال، فإذا كان باستطاعة مصر ضمان تنفيذ الفلسطينيين لبنود ترامب، فكيف لا تفعل ذلك الولايات المتحدة وهي صاحبة التوقيع الذهبي على الاتفاق؟ وبالطبع لا نظن أن الولايات المتحدة ستقبل (أن تمرمط دولة الاحتلال) سمعتها عالمياً.

باختصار، إن احترام تأثير عاملنا الذاتي المتمثل بالوحدة الوطنية، سيعني حكومة وحوكمة وطنية مقبولة، أكانت حكومة خلاص وطني أو حكومة تكنوقراط، وكلاهما مفيد ومناسب بسبب موافقة الفصائل عليها.

كما أن وحدة العمل مع الدول الشقيقة سيقوي الموقفَين الفلسطيني والعربي، وسيكون الذهاب نحو الإعمار، ومأسسة الدولة الفلسطينية. ولعل احترام أوروبا لرئيس مصر يعني وجود إرادة أوروبية لإنهاء الحرب.

الحق يعلو، ولا بد ممّا منه بدّ: إنهاء الحرب وإنهاء الاحتلال.

أما ما يجب على إسرائيل فعله، فهو التطبيق الأمين للسير في خطوات السلام، وسيكون ذلك منصفاً، فالعيش في سلام سيعني لا استراحة محارب، بل ترك الحرب إلى غير رجعة، من خلال تخليص الجيل الجديد الذي سيعرف أين يضع خطواته.

لم يكن العالم متفقاً على خطوات السلام العادل (نسبياً) فاعلاً كما هو اليوم، وهي اللحظة التي تجمعت فيه إرادات الدول وشعوبها.

ربما نتفهم التدليل السيكولوجي الأميركي المعلن لدولة لاحتلال كنوع من طمأنة دولة الاحتلال، ولكن في الواقع، فإن هناك ما هو غير معلن، فضبط الاتفاق ودولة الاحتلال يقع على الولايات المتحدة.

التدليل السياسي لا يعني التدليل إلى آخر مدى، فقد مارست دولة الاحتلال إبادة ويجب محاكمة القتلة.

وجود موقف عربي موحد سيحرم إسرائيل المحتلة من الاستفراد بدولنا العربية، ويصبّ في زيادة الاهتمام الأميركي في إلزام دولة الاحتلال بفعل ما ينبغي فعله: إنهاء الحرب، وإنهاء الاحتلال، فمن سيشجع الاحتلال على تخليص حاله من الفعل البشع؟

أما الإجماع الدولي، فهو حقيقي، من منطلق رفض العودة للحرب، فلم يعد أبداً مقبولاً ممارسة القتل، وعلى دولة الاحتلال التي وافقت على خطة ترامب تنفيذها بما يظهر حسن النوايا للسير في طريق تسوية حقيقية.