نشر بتاريخ: 2025/10/24 ( آخر تحديث: 2025/10/24 الساعة: 14:38 )
المستشار د. أحمد يوسف

حماس ونتنياهو: من يُحدِّد مستقبل مَن؟

نشر بتاريخ: 2025/10/24 (آخر تحديث: 2025/10/24 الساعة: 14:38)

الكوفية مع اقتراب العدوان الإسرائيلي على غزة من نهايته، تبدو الساحة السياسية في كلٍّ من دولة الكيان الصهيوني وغزة على صفيحٍ ساخن، حيث تتهيأ المرحلة المقبلة لتبدلات كبرى في المشهدين الإسرائيلي والفلسطيني على السواء. فالمعارك التي دارت رحاها طوال عامين كاملين لم تكن مجرد حرب عسكرية، بل مواجهة وجودية كشفت عورات المشروع الصهيوني، كما كشفت حدود القوة عند المقاومة.

في الجانب الإسرائيلي، سيجد بنيامين نتنياهو نفسه أمام أسئلةٍ قاسية ومساءلاتٍ مؤجلة، تبدأ من ملفات الفساد التي تطارده في المحاكم، ولا تنتهي عند عجزه عن تحقيق الأهداف التي وعد بها جمهوره. فالمعارضة الإسرائيلية، بما فيها أصوات داخل معسكره، تتهمه بالمبالغة في حرب الإبادة ضد غزة، وبأنه خضع لضغوط اليمين الديني المتطرف وغلاة المستوطنين، فقاد إسرائيل إلى عزلةٍ دولية غير مسبوقة، ودمّر صورتها الأخلاقية أمام العالم.

لقد تسببت مغامرته العسكرية في تراجع الاقتصاد الإسرائيلي، وتزايد الهجرة العكسية لليهود، وتآكل الثقة بقيادةٍ تبدو أسيرة نزوات البقاء السياسي أكثر من التزامها بمصالح الدولة وأمنها القومي.

وربما تكون نهاية الحرب بداية النهاية السياسية لنتنياهو؛ فكل المؤشرات تقول إن الرجل يسير نحو محاكماتٍ قاسية، وإن ما بعد الحرب لن يشبه ما قبلها، حيث تنتظره سيوف الاتهام من شركائه قبل خصومه.

أمّا حركة حماس، فواقعها لا يخلو من التحديات. فمع الكارثة الإنسانية التي ضربت غزة، وارتفاع أصوات الغضب في مخيمات النزوح، تجد الحركة نفسها مضطرة إلى مراجعة شاملة لخياراتها، خصوصًا بعدما بدا أنها مستعدة للتعامل مع الطرح الأمريكي القاضي بإعادة ترتيب إدارة القطاع ضمن صيغةٍ لا تبقيها في موقع الحكم المباشر.

هذا التوجه، وإن كان يراه بعض المراقبين داخل الحركة براغماتيةً ضرورية لتخفيف المعاناة عن الناس، إلا أن كثيرًا من المفكرين والمحللين خارج غزة يرونه "صكّ تنازلٍ سياسي" قد يضر بالقضية الفلسطينية على المدى البعيد، لأنه لا يشير إلى حلِّ الدولتين، ويطالب عمليًا بنزع سلاح المقاومة وتقليص نفوذ حماس كقوة سياسية وعسكرية، في مقابل وعودٍ غامضة بإعادة الإعمار والانفتاح الاقتصادي.

ومع ذلك، فإن التجارب التاريخية تُظهر أن الحركات المقاومة قد تتحوّل، في لحظات مفصلية، إلى أحزابٍ سياسية تحمل مشروعها الوطني بوسائل أخرى. وربما تكون حماس اليوم على أعتاب تحوّلٍ مشابه، حيث يمكن أن تنتهي إلى موقعٍ جديد داخل النظام السياسي الفلسطيني، في إطار الشراكة الوطنية وميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، مع تبنّي نهجٍ سياسي يقوم على اللاعنف، وتوظيف الاعترافات الدولية المتزايدة بالدولة الفلسطينية.

في المقابل، قد لا يكون سقوط نتنياهو مجرد نهاية زعيم أو مجرم حرب، بل نهاية مرحلة كاملة في السياسة الإسرائيلية، مرحلةٍ بنت مجدها على خطاب الكراهية والعنصرية والدمار، وانتهت إلى عزلةٍ أخلاقيةٍ وسياسيةٍ خانقة.

بينما ستكون حماس – رغم كلّ الجراح – أمام فرصةٍ لإعادة تعريف دورها في مشروع التحرر الوطني، واستلهام تجارب ناجحة كجنوب أفريقيا، حيث تَحوّل النضال المسلّح إلى نضالٍ سياسي حقّق الحرية والمساواة دون أن يفرّط في الكرامة أو الحقوق التاريخية.

الخلاصة أن الحرب – رغم آلامها – قد تكون لحظة مخاضٍ لميلاد مرحلة جديدة:

نتنياهو يسير نحو السجن ونهايةٍ سياسيةٍ محتومة، فيما تمضي حماس نحو تحوّلٍ سياسيٍ عميق قد يعيد رسم موقعها في النظام الوطني الفلسطيني.

وهكذا، فإن السؤال الحقيقي الذي يفرض نفسه بعد توقف القتال ليس: من انتصر عسكريًا؟

بل: من سيحدد مستقبل مَن؟

فربما تكون المقاومة – رغم الركام والدمار – هي من ترسم ملامح ما بعد نتنياهو، وتعيد للعالم تعريف معنى القوة والحق في أرضٍ لم تعرف يومًا الانكسار.