نشر بتاريخ: 2025/10/22 ( آخر تحديث: 2025/10/22 الساعة: 11:12 )
أشرف العجرمي

الوضع في غزة: هل الأوراق في يد ترامب؟

نشر بتاريخ: 2025/10/22 (آخر تحديث: 2025/10/22 الساعة: 11:12)

كادت الاشتباكات الأخيرة قبل ثلاثة أيام في رفح تفجّر اتفاق غزة، بعد أن تفاءل المواطنون في القطاع بأن وقف إطلاق النار قد صمد وقد يصل إلى نهاية للحرب. والهجوم الذي قامت به حركة «حماس»، واستهدفت فيه مجموعة أبو شباب في منطقة رفح، هو الذي أدى إلى اندلاع مواجهات أدت إلى مقتل جندي وضابط من الجيش الإسرائيلي وإصابة آخر، وقاد إلى سلسلة من الغارات الإسرائيلية قُتل فيها العشرات من المواطنين الفلسطينيين حيث بلغ العدد 44 شهيداً. وأوقفت إسرائيل إدخال المساعدات، وأغلقت المعابر رداً على ما اعتبرته خرقاً من قبل «حماس» للاتفاق. ولكن تم تطويق المسألة بعد تدخل الوسطاء وبالذات الرئيس دونالد ترامب الذي أراد تصديق ما أعلنته «حماس» بأنه لا علم لديها بأي هجوم شنّته الحركة. وألقى باللوم على «بعض المتمردين داخل الحركة»، وأكد أن الاتفاق ما زال سارياً.

ما حصل، الأحد الماضي، يشير بشكل واضح إلى أن الاتفاق لا يزال هشاً وقابلاً للاختراق، وحتى لاحتمال العودة لمربع الحرب والمواجهات الشاملة. وفي الواقع لم يتم تطبيق المرحلة الأولى من الاتفاق بشكل كامل، فحركة «حماس» لم تسلّم كل جثامين الإسرائيليين، وتقول: إن الأمور معقدة، وتحتاج وقتاً كبيراً لإخراج الجثث من تحت أنقاض البنايات المدمرة، ومعدات ثقيلة ومساعدة من جهات دولية وإقليمية لتسريع العملية. وإسرائيل تعتبر ذلك مماطلة، وتدعي أن «حماس» تعرف مكان الجثث وتستطيع تسليمها في وقت قصير. ولكن هذا لم يمنع تطبيق أجزاء من الاتفاق، خاصة الانسحاب الإسرائيلي إلى الخط الأصفر، وتسليم الأسرى الإسرائيليين الأحياء وعدد من الجثامين مقابل أسرى فلسطينيين، وزيادة إدخال المساعدات. وبقي موضوع معبر رفح معلّقاً بانتظار أن يفتح بناء على الاتفاق السابق.

وما يقلق أكثر من أي شيء في هذا الاتفاق هو أن الطرفين المعنيَّين إسرائيل و»حماس» لم يتفقا على المرحلة الثانية، خاصة مسألة سلاح «حماس». ورغم أن الحركة وافقت على الإطار العام للاتفاق الذي تضمن صراحة نزع سلاح الحركة، إلا أن تصريحات قيادات «حماس»، وآخرها ما قاله محمد نزال، حول عدم الاتفاق على نزع سلاح «حماس»، تعني أن «حماس» لم تقر بتسليم سلاحها، وإسرائيل لن تسحب قواتها من غزة دون تسليم «حماس» لسلاحها. ولا تقبل ما تحاول «حماس» قوله حول التمييز بين السلاح الدفاعي والهجومي. ويبدو أن إسرائيل تفضّل سيناريو لبنان، فهناك اتفاق وهناك احتلال وعمليات قصف وقتما تشاء. وهذا سيتأتى إذا رفضت «حماس» تسليم السلاح أو ماطلت فيه. وسيكون ذلك مبرراً جيداً للتخلي عن تنفيذ بنود الاتفاق. ومعنى هذا عدم إعمار غزة وبقاء مسألة التهجير قائمة.

سلوك «حماس» بعد الاتفاق تمثّل خاصة في محاولة سيطرتها من جديد على القطاع عن طريق إرهاب الناس، من خلال عمليات الإعدام وإطلاق النار عليهم وتعذيبهم، وهذا لا يشي بأن «حماس» تفكر بالتخلي عن حكم غزة، بل على العكس تماماً. فمن يرد التخلي عن الحكم عليه أن يطيب خاطر الناس ويداوي جراحهم، ويتصرف بصورة تجعل المواطنين يتعاملون بتسامح معها. ولكن قيادات «حماس» تتصرف بطريقة تشبه ما قامت به خلال الانقلاب. حتى لو كان الذين تعدمهم أو تعذبهم مجرمين، لا يجوز التصرف معهم بهذه الصورة البربرية. فهناك محاكم وقوانين وإجراءات للتعامل مع كل حالة، خاصة الآن، فالوضع لا يحتمل هذا المشهد الدموي الفظيع، الذي سيعود بالضرر على المجتمع وتماسكه، وعلى «حماس» نفسها. وقد يدخلنا في حرب أهلية هي آخر ما يريد الشعب رؤيته.

كل الوضع الهش والقابل للانفجار في غزة يعتمد بدرجة رئيسة على موقف الرئيس ترامب. هل سيبقى متمسكاً بالاتفاق وتنفيذه بشكل كامل وأمين أم أنه سيملّ ويترك هذا الملف إذا شعر أن أحد الطرفين أو كليهما لا يريد المضي قدماً في التطبيق؟ فسلوك ترامب يعكس تذبذباً وسيلاً من المواقف المتناقضة حتى في اللقاء أو الحديث الواحد، فكيف يمكن الركون والاعتماد على موقف قد يتبدل بين ليلة وضحاها. مع ذلك الكثير من الأمور ربما تتعلق بحركة «حماس» فهي التي تملك ورقة منع إسرائيل من النكوص عن الاتفاق والعودة للحرب. وكل ما يريده رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من ذرائع للعودة عن الاتفاق، «حماس» وحدها يمكنها أن تزوده بها، وهي وحدها من يقدر على وضعه بالزاوية من خلال الالتزام الكامل بالاتفاق وكسب تأييد الوسطاء، خاصة الولايات المتحدة. فهل ستقوم «حماس» بإفشال مخطط اليمين العنصري الإسرائيلي، وتعزز تمسك ترامب بالاتفاق وتنفيذ البنود التي تخصنا، أم ستفعل العكس؟