من يحكم غزة بعد الحرب؟ بين الإقصاء الوطني وضرورات الوحدة الاستراتيجية

علي أبو حبلة
من يحكم غزة بعد الحرب؟ بين الإقصاء الوطني وضرورات الوحدة الاستراتيجية
الكوفية يشهد المشهد الفلسطيني بعد الحرب حالة من الارتباك السياسي والتصريحات المتضاربة حول مستقبل إدارة قطاع غزة. فقد تصاعدت أصوات تدعو إلى إقصاء بعض القوى والفصائل الفلسطينية عن المشهد، فيما بدا وكأنه استنساخ لسياسات ترسيخ الانقسام الداخلي الذي لطالما أضعف المشروع الوطني وأفرغ مؤسسات الدولة الفلسطينية من فعاليتها.
يؤكد القانون الأساسي الفلسطيني في مادته (43) على أن "منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، وأن الشعب الفلسطيني يتمتع بحق التعددية السياسية وحرية التمثيل، فيما تنص المادة (36) على أن "السلطة الفلسطينية قائمة على أساس المشاركة الوطنية والشراكة السياسية، ولا يجوز الإقصاء السياسي أو فرض وصاية خارجية على الشعب". هذه المواد القانونية تشكل الإطار القانوني الأساسي لأي مشروع وطني شامل يهدف إلى وحدة التمثيل الفلسطيني.
إن إعادة صياغة المشروع الوطني بعد الحرب باتت ضرورة استراتيجية عاجلة، خصوصًا أن المرحلة الحالية تتطلب برنامجًا وطنيًا جامعًا يجمع كل الفصائل الفلسطينية على أساس وحدة التمثيل الفلسطيني، واستعادة دور منظمة التحرير الفلسطينية، مع تفعيل مؤسساتها على قاعدة التعددية السياسية والشراكة الوطنية.
وفي هذا السياق، يمثل تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية خطوة استراتيجية لإدارة المرحلة الحرجة، إلى جانب مجلس استشاري مؤقت يتولى صلاحيات المجلس التشريعي، ويكون مسؤولًا عن التشريع ومساءلة الحكومة ضمن إطار زمني محدد. هذه المرحلة الانتقالية يجب أن تُوَجه نحو توحيد الجغرافيا الفلسطينية وإعادة وحدة الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، مع اعتماد دستور مؤقت يؤسس لممارسة الحقوق السياسية بما في ذلك الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني الفلسطيني.
وتكمن أهمية هذه الترتيبات في كونها استراتيجية شاملة تعالج ثلاث ملفات أساسية:
1. الوحدة الوطنية والسياسية بين مختلف القوى الفلسطينية.
2. إعادة إعمار غزة ودعم صمودها الاقتصادي والاجتماعي.
3. تعزيز الشرعية الوطنية والدولية للقيادة الفلسطينية، بما يتيح تمثيلًا موحدًا في أي مفاوضات مستقبلية أو محافل دولية.
خاتمة تحليلية: قراءة عربية ودولية لمسألة حكم غزة
على الصعيد العربي، تتباين المواقف بين الداعمين لعودة السلطة الوطنية الفلسطينية كمرجعية سياسية وإدارية في القطاع، وبين أطراف أخرى تتوجس من أي انفراج يكرّس نفوذ بعض الفصائل المستقلة. هذه المواقف تعكس تحديات المحيط الإقليمي الذي يميل في بعض جوانبه إلى توظيف الانقسام الفلسطيني لمصالح استراتيجية خاصة، دون مراعاة الأولويات الوطنية الفلسطينية.
أما على المستوى الدولي، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يركزان على الاستقرار الأمني والإداري في غزة كشرط لمواءمة سياساتهم في المنطقة، غالبًا دون الاعتراف بحقوق الفلسطينيين الكاملة، أو بالشرعية الوطنية الفلسطينية القائمة على التمثيل الموحد والمشاركة الديمقراطية.
وتدعم قرارات الأمم المتحدة هذا الطرح، مثل قرار مجلس الأمن رقم 242 (1967) وقرار إجماع الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الحقوق الفلسطينية، التي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واستعادة سيادته على كامل أراضيه المحتلة، بما يشمل غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
كما تشير تقارير المؤسسات الدولية، مثل تقارير الأونروا والبنك الدولي، إلى أن إعادة إعمار غزة وتحقيق الوحدة الجغرافية والسياسية بين القطاع والضفة الغربية هو شرط ضروري لضمان استقرار طويل المدى، وفعالية الحكم المحلي، والمساءلة الشاملة.
في هذا السياق، يصبح التحدي الفلسطيني الحقيقي استعادة القرار الوطني المستقل بعيدًا عن أي وصاية خارجية، وتحويل وحدة التمثيل الوطني إلى رافعة لمشروع سياسي وقانوني قادر على تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة. فالنجاح لا يقاس فقط بمن يحكم غزة، بل بمدى قدرة المؤسسات الفلسطينية على فرض الشراكة الوطنية والتعددية السياسية وإعادة الشرعية القانونية والدستورية بما يتوافق مع القانون الأساسي الفلسطيني وقرارات الشرعية الدولية.