نشر بتاريخ: 2025/10/14 ( آخر تحديث: 2025/10/14 الساعة: 11:48 )
رجب أبو سرية

خطوة أولى نحو السلام؟!

نشر بتاريخ: 2025/10/14 (آخر تحديث: 2025/10/14 الساعة: 11:48)

خلفت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في سجل التاريخ نحو ربع مليون أو 10% من سكانه ما بين شهيد وجريح، ودمار بلغ 90% من مبانيه، كما تم تفتيت المجتمع، ولم يتم مسح عائلات من السجل المدني فقط، بل نتج عن الحرب آلام نفسية، ثكلى وأيتام، ليس لها حدود. وتخلف دراسي لمدة عامين، أما على الجانب الإسرائيلي، فقد كانت بالطبع الخسائر البشرية أقل كثيرا، فلم يبلغ القتلى نحو ألفي قتيل، أي ما نسبته 3% من عدد الضحايا الفلسطينيين، ومقابل ما لحق غزة من دمار، لم يلحق بالجانب الإسرائيلي دمار يذكر، لكن إسرائيل خسرت على صعيد الهجرة المعاكسة، اكثر من سبعين ألفا، ومقابل التضامن العالمي وجملة الاعترافات الدولية الرسمية بدولة فلسطين، تعرضت إسرائيل لأسوأ مكانة في العالم.

وبالمقارنة مع حروب سابقة، فقد واجهت إسرائيل حربا طويلة الأمد، استمرت عاملين كاملين، بعد أن كانت تخوض حروبا خاطفة، بلغ أقصاها 80 يوما، في حرب 1982، كذلك خاضت الحرب على عدة جبهات وضد عدة دول، بلغ عددها، إضافة إلى فلسطين بالطبع خمس دول شرق أوسطية، هي لبنان، سورية، اليمن، إيران، وقطر، كما أن حربها هذه تعني أنها ما زالت تدور في حلقة مفرغة حول نفسها، بعد ثمانية عقود من إقامتها، وهذا يؤكد ما ظهر في مؤتمر نيويورك وفي خطابات معظم رؤساء الدول، بأن جذر الأمر يعود إلى عدم تطبيق قرار التقسيم رقم 181 الصادر العام 47، والذي يظهر حاليا على صورة حل الدولتين، وعلى الصعيد السياسي أظهرت هذه الحرب أن إسرائيل بعد التغيرات الداخلية منذ أوسلو، والتي شهدت توغل اليمين ثم اليمين المتطرف، المستند إلى قوة المستوطنين، وبرنامج إسرائيل الكبرى، تسعى إلى إقامة تلك الدولة على حساب ثلاث دول عربية بالكامل، هي فلسطين، الأردن ولبنان، واربع دول عربية أخرى، بما لا يقل عن نصف مساحاتها وهي سورية، العراق، السعودية ومصر.

وهكذا تبين بأن إسرائيل تسعى عبر الحرب إلى فرض خريطة جديدة للشرق الأوسط، تسيطر عليه من خلال توسعها الجغرافي، وهيمنتها العسكرية، بعد تحطيم كل القوى المعادية، أو القوى التي ترى فيها منافسا عسكريا أو اقتصاديا، لذلك فإنه يمكن القول، إن العام الثاني للحرب، واجهت فيه إسرائيل رغم أنها خاضته بتحديات عسكرية أقل، بعد «تحييد» (حزب الله)، وإخراج جبهة العراق من دائرة الإسناد، وكذلك تحقيق الهدف في سورية بإسقاط نظام الأسد، وقطع الحبل السري البري بين إيران و»حزب الله»، لكنها واجهت تصاعدا متتاليا على الجبهة السياسية، فقد انخرطت كل من مصر وقطر، كل منهما بدوافعها الخاصة، في جبهة التفاوض، لا نقول بديلا عن الطرف الفلسطيني، ولكن كمساند له، كما بدأت تظهر نتائج الاحتجاج والتظاهر العالمي على شكل تغير في مواقف الدول، التي كانت قد تفهمت الرد الإسرائيلي في بداية الحرب.

ورغم أن العام الثاني للحرب قد شهد دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، بما منح بنيامين نتنياهو الفرصة لصد الهجوم العالمي، إن كان في المحكمة الدولية أو في مجلس الأمن، إضافة بالطبع للدعم العسكري المتواصل، وإن كان قد ظهر بشكل متقطع، وصل ذروته في المشاركة بقصف إيران، بينما كان قبل ذلك قد وصل أدنى مستوى له بتوقيع اتفاق عدم الاشتباك مع الحوثي اليمني، لكنه اطلق يديه كاملتين في غزة، لأن ترامب يؤمن «بسلام القوة»، أي سحق العدو، وفرض شروطه عليه، ولم يكتفِ بذلك، بل قدم كامل الانحياز والمشاركة في جبهة التفاوض، وظهر ذلك في مقترحات ستيف ويتكوف الإسرائيلية الجوهر، وفي نهاية الأمر، قام ترامب بمساعدة نتنياهو على مواصلة الحرب مدة تسعة اشهر إضافية، بعد أن كان العالم كله قد انقلب على إسرائيل، وبنتيجة ظهرت في إحدى صورها الفاضحة من خلال استخدام أميركا حق النقض (الفيتو) ست مرات لإحباط مشاريع قرارات لوقف الحرب.

وفي قراءة أولى لنتائج الحرب، يمكن ملاحظة أن إعداد اليمين الإسرائيلي لخطة قيام إسرائيل الكبرى، أي منذ 1996، العام الذي تولى فيه نتنياهو رئاسة الحكومة، بصلاحيات استثنائية ناجمة عن انتخابه كرئيس حكومة مباشرة من الناخبين، قد فشل، وكان تنفيذ الخطة، قد بدأ بنصب «الفخ» لمشروع أوسلو بقيام الدولة الفلسطينية، انسجاما مع قرار التقسيم وحل الدولتين، وذلك من خلال فرض انتخابات العام 2006، وهو يرجح فوز «حماس»، ثم بتشجيعه على الانقسام بعد ذلك مباشرة، ومن ثم رعايته طوال تلك الأعوام، أي ما بين 2007 ــ 2023، وقد كان واضحا حتى وهو يحارب «حماس» بأنه يرفض عودة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة، وكان تنفيذ برنامج اليمين المتطرف لقيام إسرائيل الكبرى، سيبدأ بتهجير سكان غزة لضمها، ومن ثم ضم الضفة الغربية، بعد تهجير معظم سكانها، حيث سيكون ذلك ممكنا بعد سابقة تهجير سكان غزة.

وبالطبع مع فرض إسرائيل حدودها على كامل ارض فلسطين التاريخية، مع إضافات في لبنان وسورية، والإبقاء على باب توسيع الحدود مفتوحا في ظل حرب إقليمية مع إيران لاحقا، سيكون اليمين اللاهوتي الإسرائيلي صار قريبا جدا، من تحقيق حلمه التاريخي الذي عبر عنه من يجلس رسميا في موقع القيادة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حين قال، إنه في مهمة تاريخية دينية لإقامة إسرائيل الكبرى، وكان هو ورفاقه في ثلاثي اليمين الفاشي، أي أحزاب «الليكود»، و»العظمة اليهودية» و»الصهيونية الدينية»، قد استمدوا الجرأة مما قاله ترامب في سياق حملته الانتخابية من أن إسرائيل صغيرة جغرافيا، ثم استمد قوة إضافية لمواصلة حرب الإبادة الجماعية في غزة، بعد أن اجبر على صفقة كانون الثاني 2025، بإعلانه عن خطة تهجير سكان غزة لتحويلها إلى «بزنس» شخصي، أي إلى ريفييرا شرق أوسطية كما قال بالنص.

لكن نتائج الحرب ما زالت معلقة، وحتى أن الحرب نفسها يمكن أن تعود مجددا بعد تنفيذ المرحلة الأولى، كما حدث في صفقة كانون الثاني من العام الحالي، لهذا فقط، حرصت مصر على دعوة ترامب لحضور مراسم توقيع الصفقة، مع حضور عربي ودولي، لا يقتصر على الدول الثماني التي اتفق معها ترامب في الشهر الماضي على الخطة التي يستند لها الاتفاق الحالي، خشية ألا يلتزم نتنياهو إلا بصورة الخطة التي قام بتعديلها مع ترامب، وحتى في حال الالتزام بما هو موقع في القاهرة، فإن تنفيذ المراحل التالية بعد مرحلة تبادل المحتجزين بالأسرى ووقف إطلاق النار، وانسحاب للخط الأصفر، وهي مرحلة البحث في نزع السلاح، وفتح المعابر وإدارة القطاع، فضلا عن أنها ستأخذ وقتا، فإنها ستجري في ظل هبوط الهمة والعزيمة الحالية لكل الأطراف، والاهم أنها لا تنطوي على رغبة الطرفين، أي نتنياهو و»حماس» على التقدم، فـ»حماس» حققت الأهم بوقف الحرب، وبالتأكيد ستحاول تجنب ما امكن الخوض في نزع سلاحها وفقدانها نفوذها الذي كان يعتمد عليه، ليس في غزة فقط، بل وفي المنطقة كلها، أما نتنياهو فإن واقع ما بعد المرحلة الأولى يبقيه في محيط قطاع غزة، بل وعلى نسبة تقارب نصف مساحته، وهو بدأ التفكير في تقديم موعد الانتخابات ليصطاد فرصة أن يعاد انتخابه مجددا رئيسا للحكومة الإسرائيلية.

وبالنسبة لإسرائيل فإن متابعة مراحل التنفيذ تعني أنه مقابل نتيجة هزيلة تتمثل فيما تبقى من سلاح خفيف بيد «حماس» تبقي على سيطرتها وبالتالي على الانقسام، وفي ظل عدم إعمار، أي في ظل غزة تثقل كاهل «حماس» والسلطة، أي الخيارات افضل لها، على الأرجح ستفضل إسرائيل بأغلب أحزابها التوقف عند حدود تنفيذ المرحلة الأولى، وهي فعلت هذا دائما في السابق، هنا يمكن الحديث فقط عن قوة المواجهة الإقليمية، التي باتت واضحة للعيان بين إسرائيل من جهة، وكل من مصر والأردن جبهة أولى، والخليج وحتى لبنان وسورية كجبهة ثانية، على فرض مواصلة خطة ترامب، الذي تورط بدوره وقال، إن الخطة تفتح إلى إنهاء صراع تاريخي، ولن تقتصر على غزة، وعلى الأرجح هو يقصد أبراهام، لكن الغريب هو أن إسرائيل باتت اقل حماسا لأبراهام، لأنها لا تريد دفع الثمن، والثمن هو حل الدولتين، أي قيام دولة فلسطين.

وإذا كان حجر الأساس في السلام بالشرق الأوسط، وفق رؤية ترامب، هو توسيع أبراهام ليشمل السعودية ومعها دول شرق أوسطية عربية وإسلامية عديدة، منها اندونيسيا وباكستان، فإن السعودية تشترط قيام دولة فلسطين، ولم تعد تقول هذا كلاما فقط، بل إن رعايتها لمؤتمر نيويورك، مع خطة ماكرون لإصلاح السلطة وفق الاتفاق مع ترامب، فإن الأمور تسير إلى مزيد من فرض الإرادة الإقليمية الدولية على إسرائيل.